أحلام طفلة صغيرة في السادسة من عمرها كانت تعيش في أمن وأمان ، محاطة برعاية والديها ،
مفعمة بالحيوية والحياة ،
فتاة تحلم دائما بالمستقبل الجميل ، وبالربيع الدائم والطبيعة البهية، اعتادت دائما على
مرافقة والدها وتسأله دائما بفضول:
لماذا الحرب يا أبي ؟ لماذا الدمار ؟
كان دائما يتهرب من أسئلتها ويجيبها بحكاية جميلة كانت تحبها ، لم تدرك يوما أنها ستعيش
الدمار..
وفي يوم عاصف ممطر كانت أحلام في طريقها اٍلى المدرسة تمسك بيد والدها وتقفز هنا وهناك ،
وتحمل كراستها وعلبة الالوان ، _كم كانت تريد رسم الشمس وقوس قزح ، وتحلم بزرقة
السماء..أحلام رااائعة تراودها كل يوم ، تروي زهورهاالجميلة كل صباح تحلم بأن تراها كبيرة يفوح
أريجها حبا وحنانا .. وتنظر دائما من شرفتها قبل الخروج...
.سمعت أحلام دويا قويا ، اهتزت فزعا ، سقط والدها أرضا دون حراك، خاطبته ولم يرد عليها
تسمرت في مكانها وخضبت كراستها بالدماء ، والدمع يتناثر من عينيها ليروي الفيافي الجرداء ،
فارقها والدها وهي في أمس الحاجة اٍليه ، لم تصدق أنه لم يعد موجودا ، لم تصدق أنها ستذهب
يوما ما اٍلى المدرسة وحيدة ، وتجمع الناس حولها وكلهم نظرة اٍشفاق على تلك الصغيرة التي
حرمها الأوغاد من بسمة حياتها ، عادت أحلام أدراجها خائفة أن تضل طريق العودة اٍلى بيتها ،
وما زالت تسمع صوت القنابل وصخب الدمار تغلق أذنيها وتركض نحو المجهول ، علموها الدمار
قتلوها في مهدها ، وهكذا ظلت طيلة حياتها ، ترعرعت على صوت الرعب ، وسفارات الاٍنذار
في كل مكان ، لا ماض ولا طفولة ، لكنها ما زالت تحتفظ بكراستها ، وتتذكر علبة الألوان وتتذكر
والدها وتراه في كل مكان ، وتردد له نشيدا كل صباح ، ، غدت الحياة صعبة ، ضباب ودمار ..وغدا
ا المستقبل مجهولا ، كم تحن اٍلى قطرة مطر ، واٍلى شعاع الشمس واٍلى كراستها ..واٍلى علبة
الألوان واٍلى الربيع والجو البديع ،..كبرت أحلام قبل الأوان ، سرقوا منها لعبتها ، وقتلوا دميتها ، فغدت
مجرد جثة بلا عنوان ، الخوف والرعب يركضان خلفها في كل مكان وهي هاربة لا تعرف اٍلى أين ،
قتلوا كل أسرتها...ودمروا البستان..
حتى أمها خرجت يوما للعمل من أجل قوت يومها ولم تعد ، شردوا اللقمة ، سفكوا البسمة
وحطموا الأحلام ..لكنها لم تنس أبدا طفولتها رغم مواجهتها لواقع مرير ، ومعاناتها اليومية من أجل
لقمة العيش ، ظلت تحتفظ بذكرياتها وتعيش كل يوم تجربة الضياع ..
تحتفظ بزهورها فترويها بدمعاتها ، رغم شح المياه ونذرة المطر ، كبرت الزهور وأعطت لكل زهرة
اسما يذكرها بأسرتها وتعوضها عن الحرمان ، كبرت أحلام وكبرت معها الأحلام ومازالت تحن اٍلى
قرص الشمس واٍلى قطرات المطر لتستمر الحياة لتروي زهورها المتبقية..تحتضن كراستها ، آهات
وعبرات تجتاح حياتها ، وصرخات الأنين...